الثبات بعد رمضان
الداعية الشاب: مصطفى حسني
أعزائي وأصحابي، السلام عليكم..
بداية أحب أن أعبر عن سعادتي عند كتابتي هذا الموضوع ولقائي معكم من خلال "بص وطل".. وأود أن أُعرِّفكم بنفسي.. أنا شاب لم أتجاوز الثلاثين من عمري، وقد تعمدت ذكر سني لأقول لكم إن عمري قريب من كثير ممن يقومون بقراءة مقالي الآن فأنا شاب أعيش وسط الشباب، واحدا منهم، أعرف طموحاتهم وهمومهم، ما يسعدهم وما يقلقهم، والصعاب المحيطة بهم، وإيجابيات وسلبيات هذه المرحلة والمشاكل الكثيرة التي قد يمر بها كثير منا، فهذا المقال من أخ محب قريب من حياتكم.
***
الحمد لله الذي أكرمنا برمضان ووفقنا فيه لطاعته والوقوف بين يديه ورضي بنا عباداً له وأوقفنا في بيته وسمع أصواتنا واستجاب دعاءنا وقربنا منه وأعتق كثيراً من الرقاب، وهو فضل عظيم يعطيه الله من يشاء من عباده.
إذا كنت ممن أحس بقرب الله في رمضان أو حتى ممن لم يحاول التقرب من الله في رمضان لكنه قرأ هذه الكلمات، فإن الله قد اختارك ليذكرك بفضله عليك ونعمته عليك ليحرك في قلبك الشوق إليه وحب لقائه في الآخرة وطاعته في الدنيا. فإذا ذكرك الله بطريقه وجنته فاعلم أنه يريد لك كل خير.
لذلك يجب علينا أن نجتهد لنحافظ على هذه النعمة، نعمة الهداية، وذلك بأن نثبت أو نحاول بكل جهدنا أن نثبت على دين الله والقرب منه مهما كثرت الفتن. لذلك أقول لكم بعض العوامل التي تساعدنا على الثبات بعد رمضان:
1- أولاً معرفة طبيعة طريق الله وأن به صعوبات وأن الدنيا مليئة بالفتن وهذا هو الاختبار الذي جائزته الجنة وجوار الله وحبيبه -صلى الله عليه وسلم-. فإذا عرفنا الطريق وصعوباته وأن الأصل هو وجود الفتنة، بدأنا نأخذ العدة للسير في طريق الله بالتحصن ضد هذه الفتن ومحاولة مجاهدة النفس في البعد عنها والاستعانة بصحبة صالحة.
2- الصحبة الصالحة.. لقد قالوا في المثل الشعبي إن الزن على الودان أمر من السحر، وهذا يثبت أن الإنسان ضعيف أمام وسوسة غيره له سواء شيطانه أو أصحابه. لذلك إذا كان الإنسان كله خير ويتمنى أن يصل إلى حب الله وأن يدخل الجنة، فإن ذلك كله يضعف وينهدم أمام سخرية أصحابه من تدينه أو صدقه أو أمانته، أو من حجابها بالنسبة للبنت، فيبدأ في الإحساس بأنه غريب لأنه يحب ربه ويحاول التقرب من رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما أجمل وأحلى ما في الحياة فهو أن تجد من حولك يشجعونك على القرب من ربك وتحسين أخلاقك فتشعر وسطهم بالثبات وأنك على الطريق الصحيح بدلاً من أن تشكك في صحة طريقك بسبب كثرة من يسخرون منك.
فاسأل نفسك الآن هذا السؤال: هل أحب أن أحشر مع الصحبة التي أنا معها يوم القيامة وأقف معهم حيث كانوا وأحاسب معهم أم أني أخاف من ذلك ولا أحب ذلك يوم القيامة؟ وإذا كانت الإجابة هي "نعم أتمنى أن أحشر وأحاسب معهم" فحافظ عليهم فهم عون لك في دنياك وآخرتك.
وإن كانت الإجابة بلا، فمن الآن حاول البحث عن من يعينك ولا يحبطك أو يشكك في طريقك المستقيم الذي تحاول الثبات عليه، فقد صور القرآن صورة لاثنين من الأصحاب يتبرأ واحد منهم من الآخر ويتمنى لو لم يكن يعرفه لأنه أبعده عن طريق الله بعد أن ذاق حلاوة القرب منه، فقال تعالى: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا". فالشيطان هو الذي ساعدهم على غواية بعضهم البعض ثم تركهم وتخلى عنهم.
ومن الممكن أن يتساءل أحدنا قائلا: "ازاي بس هاغيّر أصحابي اللي أنا متربي معاهم وبحبهم وماعرفش غيرهم؟" الجواب هو أنني لم أطلب تغيير الأصحاب كلية، ولكن ابحث بجوار هذه "الشلة" عن مجموعة أخرى تكون هي المشجع والحافز للقرب من الله مادامت مجموعتك أو "شلتك" لا تساعدك على هذا.
3- الصلاة على وقتها، لأن الصلاة هي صلة العبد بالله ليستمد من قوة الله أثناء ضعفه ومن رحمة الله ليغفر ذنوبه. يتكلم مع الله ويشتكي له و(يفضفض) وهو ساجد، قائلا: "يا رب ثبتني.. يا رب اهدني". كما أن الصلوات تكفر ما بينها ما لم تفش الكبائر، فالصغائر كلها مغفورة فقط بمجرد المواظبة على الصلاة في وقتها.
وأنا أوصيكم بالرجوع للمقال الذي تحدثنا فيه قبل ذلك عن الصلاة لتعرفوا أن الصلاة على وقتها هي أحب الأعمال إلى الله، ومن فعل أحب الأعمال إلى الله فإن الله سيساعده على القرب منه والثبات بعد رمضان.
4- غلق أبواب الفتن، وهذه من أهم عوامل الثبات على الدين لأن كل واحد منا عنده نقطة ضعف كثيرا ما تسقطه في الذنوب أو الأخطاء. وكل واحد منا يعرف نفسه جيدا ويعرف نقاط ضعفه، فيجب عليه بذل الجهد المضاعف مع نفسه لغلق هذا الباب الذي هو ضعيف تجاهه، مع التقرب من الله، فعندما تكون قوياً ثابتا قريبا من الله يصعب على الشيطان أن يوقعك في الذنوب بسهولة حتى من نقطة ضعفك. ولكن، عند لحظات الضعف يدخل الشيطان من أضعف نقطة ليوقع الإنسان في الذنوب ويبعده عن الله.
فمثلاً: نقطة ضعف واحد منا الجنس الآخر فيجب عليه غلق أبواب هذه الفتن مثلا بمسح الأرقام التي تذكره بعلاقات محرمة في الماضي من على هاتفه ليغلق هذا الباب، أو مثلا مسح القنوات غير الأخلاقية من على الدش، أو مثلاً استخدام برنامج على الكمبيوتر لمنع المواقع الإباحية.
كل هذا ليحصن نفسه من هذه الفتنة حتى لا يكون الباب مفتوحاً -إذا ضعف- ليرجع إلى الذنوب والأخطاء التي يعرف أنه ضعيف أمامها.
ومثلاً: من كان نقطة ضعفة الخمور فيجب عليه البعد عن من يدعونه لشربها معهم وعدم الخروج في أماكن الخمور ولا يقول: "أنا سأجلس ولن أشرب" لأن من يجلس في أماكن الخمور أصلاً ملعون وكلكم تعلمون الحديث في لعن جليس الخمر، كما أنه إذا استطاع اليوم أن يكون قوي النفس فجلس ولم يشرب، فإنه إذا ضعف سيسقط مرة أخرى، والتجارب في هذا كثيرة.
وهكذا على كل واحد منا إغلاق الأبواب التي تضعفه حتى لا يرجع لنفس الأخطاء.
5- وأخيراً الاستعانة بالله واللجوء إليه حتى يهدينا ويثبتنا على دينه وطريقه المستقيم لأن الإنسان ضعيف، ويجب عليه أن يستعين بمن هو أقوى منه ليساعده على ثباته. لذلك علمنا الله أن نقول كل يوم على الأقل 17 مرة: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ"؛ يعني يا رب ثبتنا وأعنا على الثبات في القرب منك. وكانت "أم سلمة" زوجة النبي صلى الله عليه وسلم تقول إن أكثر دعاء النبي كان: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". فما بالكم بنا نحن الضعفاء الذين كثرت من حولنا الفتن والمغريات فنحن أولى بهذا الدعاء واللجوء إلى الله ليثبتنا ويهدينا.
وكل عام وأنتم بخير وأقرب إلى الله وأسعد في الدنيا.
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.